Lencana Facebook

قراءة في تاريخ آداب العرب للرافعي


لقد كان جهد الرافعي في تاريخ الأدب العربي كجهد محمود سامي البارودي في بعث الشعر المعاصر ، إذ أنقذه من هوّة الركاكة والسطحيّة وتنسيق المحسّنات ، وارتفع به إلى مستوى الشعر العباسي ، حيث عارض الفحول من السابقين ، ولم يكد يختلف عنهم في إبداعه الرائع ، وكل من جاء بعده من الشعراء أمثال حافظ وشوقي وأحمد محرّم والكاظمي والكاشف قد انتفع به انتفاعاً اعترفوا به عن غبطة وأجلسوه مجلسه القيادي في ريادة الشعر المعاصر .
وإذا عدم الرافعي من ينصفه في هذا المجال ، فإن الذين قرؤوا كتابه حين ظهر للناس من قادة الفكر قد أحلّوه المحل الأرفع ؛ فالأستاذ أحمد لطفي السيّد ، رئيس تحرير ( الجريدة ) ومدير الجامعة فيما بعد ، قد تحدّث عن الكتاب حديث المعجب المحبّذ ، وعدّه فتحاً جديداً في بابه ، والرافعي حينئذ كاتبٌ ناشئ لم يتردد صداه على النحو الذي عرف به فيما بعد ، فهو إذن لم يندفع إلى مجاملة ما حين اعترف بالحق لصاحبه ، وأحمد زكي ، شيخ العروبة ، أشاد بالكتاب في مجلس علمي بإدارة الجامعة المصريّة ، وقال : إنّه فتح جديد . أما الأمير شكيب أرسلان فقد أفرد له مقالاً رنّاناً بجريدة المؤيد ، جاء فيه : " إنّه لو جاز أن يعكف على كتاب في نواشئ الأسحار بعد كتاب الله لكان كتاب تاريخ الأدب للرافعي " .
ولقد استنكر خليل مطران دعوى من يلومون الشاعر الكبير محمد عبد المطّلب على جزالته البيانية فقال :
ربّ ممرور من الجـهل نعى
صـــــحّة القول عليه فنحـبْ

خال إغراباً وما الإغراب في
ذلك اللفــظ الأصيل المنتخبْ

إنمــــــــا الإغراب فيــه أنّـه
عربـــــــي بين أهليه اغتـربْ

أخـــــــذ المعـدن من منجمـه
هل علـــــيه حرج يا للعجـبْ

ذلك البعــــث هو الفتـح الذي
ليس يــــــعدوه لذي لـبّ أدبْ



قصّة تأليف الرّافعي للكتاب

والكتاب بعدُ مرجع واف من أهم المراجع العربيّة المعاصرة ، ولتأليفه قصّة دعت إلى كتابته ، حيث لم يكن في خطّة الرافعي أن يؤلّف كتاباً في تاريخ الأدب العربي ، ولكن دافعاً حثيثاً قد جذبه إلى هذا الميدان ، فألّف سفره الكبير .
فحين أنشئت الجامعة المصريّة القديمة عام 1908م أخذ الرافعي الأديب الشاب يتطلّع إلى ما يدرس بها من قضايا الأدب العربي ، ولكنّه في مدى سنتين لم يجد غير اتجاهين ؛ اتجاه استشراقي يعني بمسائل العلوم عند العرب كتاريخ الفلك والطب والكيمياء ويقوم بتدريسه نفر من المستشرقين أوتوا الإحاطة بتاريخ هذه العلوم إذ قرؤوا من المطبوعات والمخطوطات ما أهّلهم للحديث في هذه المسائل . واتجاه آخر يقوم به أساتذة من المصريين يحوم حول الأدب ولا يقربه .
فكتب مقالاً بالجريدة يتساءل عن موقف الجامعة من الأدب العربي ، وكيف أهملت تدريسه على الوجه المنشود ، وأوضح أنّه لم ير في الاتجاهين اللذين أشرت إليهما ما يؤدي رسالة ما نحو الأدب العربي وتاريخه .
وأوضح أنّ لتاريخ الأدب العربي بالجامعة معنى خاصّاً في ذهن الرافعي ، جعل يفتقده فيما يقرأ ويسمع فلا يجده ، فكتب مقاله لينبّه القائمين على الجامعة إلى أن الأدب العربي بها في حاجة إلى منهج ، وإلى كتاب يطبّق هذا المنهج ، وإلى أستاذ يشرح الكتاب .
وكان لكلمة الرافعي صداها القوي لدى الجامعة ؛ فقد أعلنت عن جائزة ماليّة قدرها مائة جنيه تمنح لمن يؤلّف كتاباً في تاريخ الأدب العربي ، وحددت مدّة لإنجاز التأليف قدرها سبعة أشهر ، وما قرأ الرافعي الإعلان حتّى أحس أنّه مطالب بالتنفيذ الفوري ، ولكنّه كتب يعترض على قيمة الجائزة وعلى مدّة التأليف ، وما كانت قيمة الجائزة مما يشغل الرافعي بالدرجة الأولى ، وإنما كان يشغله كل الشغل هو ما يعبّر عنه في مقال تال لمقاله الأول قال فيه : " إنهم في الأغلب سيعهدون بتدريس الكتاب لغير مؤلّفه فيكون الحاضر لديهم كالغائب عنهم ، ولا فضل لديهم إلاّ أنها تصدر التلقين ، فإذا طبع الكتاب صارت كل مكتبة في حكم الجامعة ، لأن العلم هو الكتاب لا الذي يلقيه ، وإلاّ فما بالهم لا يعهدون بالتأليف لمن سيعهدون إليه بالتدريس ؟ وهل يقتصرون على أن من كفاية الأستاذ القدرة على إلقاء درسه دون القدرة على استنباط الدرس ، واستجماع مادته حتّى لا يزيد على أن يكون هو بين تلاميذه التلميذ الكبير ؟ "
هذا الهجوم من الرافعي على الأساتذة ، وفيهم ذوو القدر الجهير من أمثال حفني ناصف ، ومحمد المهدي ، وأحمد زكي ، لم يكن يدري مغبّته حين كتب نقده المهاجم ، ولعلّ ذلك ما حدا به أن يتقهقر عن تقديم الكتاب بعد طبعه إلى الجامعة ، مع شيء آخر هو أنّ كتاب الأستاذ جورجي زيدان قد ظهر . وكانت الجامعة قد استجابت لكلمته فجلعت مدّة التأليف سنتين كاملتين ، ورفعت الجائزة إلى مائتين ، ومع ذلك فقد آثر الرافعي أن ينسحب .

جولة في فصول الكتاب

لقد خرج الكتاب إلى حيّز الوجود ، ولاقى نصيبه من الترحيب والنقد معاً
التمهيد
وقد جاء التمهيد الأول في فصلين ؛يتحدّث الفصل الأول عن الأدب وتاريخ إطلاق هذا اللفظ عليه ، وعن المؤدبين والمعلمين وعن علوم الأدب وكتبه ، ويتحدّث الفصل الثاني عن العرب وأقسام العربية ، والشعوب الساميّة وطبقات العرب من بائدة وقحطانية وإسماعيليّة وأصل كلمة العرب

ما بعد التمهيد

أما ما بعد التمهيد ، وهو الباب الأول فقد امتد به الحديث إلى فقه اللغة لا إلى ألأدب ، وأقول امتد لأنّه شمل ما بين صفحة 55 إلى صفحة 269 من الطبعة الرابعة ذات الحرف الدقيق .
أما الأبواب التالية فهي في صميم تاريخ الأدب العربي ، وبها نال الكتاب تقديره الحافل ؛ إذ تحدّث عن الرواية والرواة بادئاً بتوسّع العرب في الحفظ مقارنة باليونان ، ومسجّلاً تفوّق الجاهليين في الرواية الشعرية ، إذ كان الشاعر لسان قومه ومدون مفاخرهم ، فهم أحرص الناس على ترديد ما يقول .
أما ما كتبه الرافعي عن الرواية بعد الإسلام فمن أنفس ما كتب عن الرواية في القديم والحديث ، وأكثر من جاء بعده ممن خاضوا في تاريخ الرواية الشعريّة عيال على ما كتب ، وقد كان تاريخ الحديث في تدوينه المتسلسل كالمجهول ؛ لأن كتب الأدب القديمة تجمع عن روايات تتناقض في كثير منها ، وتحتاج إلى قاص ، ففتح الله على الرافعي بما كان مدداً لمن تلاه .
وإذا كان الإسناد في الحديث مما اشتهر فإن الإسناد في الأدب كان يتطلّب معالجة كاشفة بدأها المؤلّف بالفرق الواضح ما بين الإسناد في رواية الحديث والإسناد في رواية الأدب .

ثناء طه حسين على كتاب الرافعي

وقد تحّدث الدكتور طه حسين في الأدب الجاهلي (1)عن جهد الرافعي في تحقيق الوضع في الشعر والقصّة فقال : " وهذا الفن الأدبي تناول الحياة العربية والإسلامية كلها من ناحية خياليّة لم يقدرها الذين درسوا تاريخ الآداب العربية قدرها ، لا أكاد أستثني منهم إلاّ الأستاذ مصطفى صادق الرافعي ، فهو قد فطن لما يمكن أن يكون من تأثير القصص في نحل الشعر وإضافة القدماء ، كما فطن لأشياء أخرى قيّمة وأحاط بها إحاطة حسنة في الجزء الأول من كتابه ( تاريخ آداب العرب ) .
تعقيب الرافعي
" نشكر له ما تفضّل به من الثناء علينا في كتابه واستثنائه إيانا في بعض المعاني من كل من درسوا تاريخ الآداب العربية ، ونحن دون هذا في أنفسنا ، ودون ما أبلغنا إياه مع بعض أصدقائنا ، وإن كنا نعرف من صنيع الأستاذ الفاضل أنه لا ينصفنا مرة إلا بعد أن يظلمنا مراراً ، وأنه اتخذ الوقيعة فينا مذهباً عرف به وغلب عليه حتى لا يكاد يقول أنصار القديم أو يكتب أنصار القديم إلا توجه ذلك عنده إلينا خالصاً دون المؤمنين".

إنكار الرافعي لتقسيم الأدب على نسق العصور السياسية

ومن أسبق ما جاء به الرافعي في تاريخ الأدب أنه أنكر ما عرف من التاريخ الأدبي وفق العصور السياسية .
قال (الرافعي):" إن تلك العصور إذا صلحت أن تكون أجزاء للحضارة العربية التي هي مجموعة الصور الزمنية لضروب الاجتماع وأشكاله ، فلا تصلح أن تكون أبوابا لتاريخ آداب اللغة التي بلغت بالقرآن الكريم مبلغ الإعجاز على الدهر ، ولم تكد تطوي عصرها الأول حتى كان القرآن أول سطر كتب لها في صفحة العصر الثاني شهادة الخلود ، وما بعد أسباب الخلود من كمال".
ثم قال :" فتاريخ الآداب في كل أمة ينبغي أن يكون مفصلا على حوادثها الأدبية ؛ لأنها مفاصل عصوره المعنوية ، والشأن في هذه الحوادث التي يقسم عليها التاريخ أن يكون مما يحدث تغيراً معقولاً في شكله ، وأن يلحق بمادته تنوعاً خاصاً بنوع كل حادثة منها ، فإن لم تكن كذلك لم يكن التاريخ متجدداً إلا باعتباره الزمني ، وهذا ليس بشيء ".

الجزء الثاني

فإذا تركنا الجزء الأول من تاريخ الآداب إلى الجزء الثاني فإننا نجده خاصاً بإعجاز القرآن والبلاغة النبوية ، أفاض الرافعي في هذا الجزء في تحليل البيان القرآني والإبداع النبوي بما فتح الله عليه به من الإلهام المؤمن ، وصنيعه هذا يؤكد اهتمامه بالنص العربي الأول للبيان الرفيع في المكتبة العربية ، لأن أكثر مؤرخي الأدب من قبله ومن بعده يجملون الحديث عن القرآن والحديث في صفحات مبتورة ، وكأنهما ليسا أكبر نتاج حافل في العربية ، وقد يجيء الحديث عن شاعر كـ جرير أو الأخطل في حيز متسع أكثر مما ظفر به هذان الأثران الجهيران ، فأراد الرافعي بإفرادهما في جزء مستقل أن ينبه على أثرهما القوي في الفكر الإسلامي بعامة ، وفي البيان العربي بخاصة ، وقد نشر الجزء الثاني أولاً تحت عنوان ( تاريخ آداب العرب ) ثم بداله بعد سبعة عشر عاماً من ظهور الجزء الثاني ، أن يفرد الحديث عن القرآن والسنة في كتاب مستقل تحت عنوان (إعجاز القرآن والبلاغة العربية ) فلاقى الكتاب في عنوانه الجديد تجاوباً بعيداً من القراء ، حيث تعددت طبعاته ، وقال عنه الزعيم سعد زغلول:" كأنه تنزيل من التنزيل أو قبس من الذكر الحكيم" .

المجلد الضائع

بقي أن أتحدث عن الجزء الثالث من (تاريخ آداب العرب) ، وهو جزء مظلوم لا ندري كيف نحكم عليه ، فإن الرافعي – رحمه الله – وضع خطته في الجزء الأول ، ثم انتقل إلى رحمة الله دون أن يظهر إلى حيز الوجود ، وبحث تلميذه الوفي الأستاذ محمد سعيد العريان في مكتبة الرافعي بعد وفاته ، فوجد ملفاً كبيراً كتب عليه ( الجزء الثالث ) ولكنه حين تصفحه لم يجد منه غير عدة فصول لا تكمل المنهج الذي حدده الرافعي في مقدمة الجزء الأول ، فأين ذهب ما بقي ؟ هل كتبه الرافعي وضاع ؟ هذا احتمال بعيد ، لأن الذي جمع فصول الكتاب في حيز واحد لا يجمع فصولاً ويترك فصولاً ؟ إنما المعقول أن يجمع كل ما كتب ما دام هو الذي جمع وأغلق الملف على وضعه المستقر ، ولكن النقص جاء من طريقة التأليف ، حيث لا يلتزم الباحث أن يكتب الموضوعات وفق تسلسلها الثابت في ذهنه ، بل يكتب فيها ما تتوافر مراجعه لديه ، وأذكر أن الأستاذ الكبير عباس محمود العقاد في كتابه ( حياة قلم ) قد أشار إلى طريقته في التأليف ، فقال : ما ملخصه " إنه يبدأ فيحدد غرض الكتاب ، ويكتب فهرساً خاصاً بالأبواب ، ويحضر ملفات بعدد الفهارس ، ثم يكتب ما يتاح له الحديث عنه لتوافر مصادره سواء كان على اطراد الفهرس أو على غير اطراده .
فإذا انتهى من موضوع انتقل إلى غيره مما تتهيأ مصادره ، تاركاً ما بعدت مصادره حتى يجيء وقتها فيفرغ للبحث عنها ، ويكتبها ، هذا ما ذكره الأستاذ العقاد ، وما أظن الأستاذ الرافعي قد خالف هذا الاتجاه ، لأنه الأمر الفطري الذي يندفع إليه المؤلف تلقائياً ، حيث يبدأ بالأسهل فالسهل فالصعب فالأصعب ، وقد جربت ذلك في بعض ما ألفت ، إذن فالأبواب الناقصة لم تكتب ، ثم لم يجد الرافعي فرصة من أعماله الأدبية الأخرى كي يعكف على إتمامها ، لأنه كان مشغولاً بالكتابة الوجدانية في سلسلته المعروفة ، أو بالمقالة الصحفية نقداً ، وهجوماً ودفاعاً ، أو بالقصة الدينية التي احتلت أكرم مكان من نتاجه الرفيع .
موضوعات المجلّد المفقود
قد رجعت إلى مقدمة الجزء الأول فوجدته حدد موضوعات الجزء الثالث كما يلي: (1) تاريخ الخطابة والأمثال جاهلية وإسلاماً ، (2) تاريخ الشعر العربي ومذهبه والفنون المستحدثة ، (3) في حقيقة القصائد والمعلقات ، ودرس شعرائها ، (4) في أطوار الأدب العربي وتقلب العصور به ، (5) تاريخ أدب الأندلس إلى سقوطها ومصرع العربية بها ، (6) تاريخ الكتابة وفنونها وأساليبها ورؤساء الكتاب ، (7) حركة العقل العربي وتاريخ العلوم وأصناف الآداب جاهلية وإسلاماً، (8) في التأليف وتاريخه عند العرب ونوادر الكتب العربية ، (9) في الصناعات اللفظية التي أولع بها المتأخرون في النظم والنثر ، وتاريخ أنواعها ، (10) في الطبقات وشيء من الموازنات .
هذا ما حدده المؤلف في مقدمة الجزء الأول خاصاً بالجزء الثالث ، وبمراجعة ما عثر عليه الأستاذ محمد سعيد العريان وقدمه للطبع فعلاً ، نجد أنه لم يتحدث عن تاريخ الخطابة والأمثال جاهلية وإسلاماً ، ولا أدري كيف أغفله الرافعي ، لأن مراجعه ميسورة ، ولا يحتاج إلى جهد كبير ، كماً أو كيفاً ، وقد كتب الكاتبون في هذا الموضوع بعد الرافعي فوفوا المقام في صفحات لا تعدو في حجمها العددي باباً من الأبواب التي كتبها الرافعي في الجزء الثالث ، كذلك لم يتحدث عن تاريخ الكتابة وفنونها وأساليبها ورؤساء الكتاب وما يجري هذا المجرى ، وأنا أكاد أجزم بأن الرافعي لم يكتب هذا الباب ، لأنه يحتاج إلى مجلد ذي أجزاء فتاريخ الكتابة أموية وعباسية وأندلسية وفاطمية ومملوكية حتى هذا العصر لا يمكن أن يجيء في فصل واحد ، وكان الرافعي لحظ ذلك فتركه حتى يتهيأ الوقت لأدائه على وجهه الصحيح ، وكذلك نقول فيما تركه الرافعي من الحديث عن حركة العقل العربي وتاريخ العلوم من شرعية ولسانية وتجريبية وتاريخية وفلسفية واجتماعية إلى آخر ما يندرج تحت مادة العلوم لا يقوم به فصل من كتاب مهما توخى صاحبة الإيجاز ، حتى ولو سلك مسلك كتب المدارس الثانوية في اختصارها الشديد ، وما هكذا الرافعي ذو القول الزاخر كالعباب ، أما باب الطبقات وشيء من الموازنات فيمكن أن يضغطه فصل من فصول الرافعي ، ذات اللمح والإيماء أو ذات التشريح والتحليل !
أمور سبق فيها الرافعي غيره

وإذا كنت قد أشرت إلى الفصول التي دونها الرافعي في الجزء الثالث فلا يفوتني أن أشير إلى سبقه الظافر فيما كتب عن أولية الشعر . وعن السبب في قلة الشاعرات ،وعن الموشح بالذات لأنه أول من فصل القول فيه من المحدثين إذ تولى القول فيه على هديه مع إيجازه السريع ، وقد وقفت طويلاًُ عند باب حقيقة القصائد المعلقات ودرس شعرائها ، حيث لم يتعرض لغير ثلاثة من السبعة المشهورين ، إذ قصر حديثه على امرئ القيس وطرفة بن العبد وزهير ، مع أنه تحدث في المقدمة عن السبع الطوال ، فهل اكتفى بهؤلاء الثلاثة وترك أمثال عنترة ولبيد وابن كلثوم والحارث ! وهم يندرجون تحت الباب ! أكبر الظن أنه تحدث عنهم ، وضاع ما كتب وإلا لكان من الواجب أن يبين لماذا ترك الحديث عنهم مع اكتفائه بسواهم ، فيكون القارئ على علم بما يدع ويأخذ ، دون حيرة في التعليل ، وما قلته عن سبق الرافعي في وصف الموشح أقوله عما كتبه عن الأدب الأندلسي ، فقد كان أسبق المعاصرين جميعاً في الحديث عنه بهذا التدفق المستطاب ، وقد ختم الجزء الثالث بفصلين جيدين عن كتب الشعر والمختارات وعن الصناعات اللفظية التي أولع بها المتأخرون ، وكأن هذا الفصل الأخير في كتب البلاغة لا في كتب الأدب ، لأنه يبحث عن شؤون من علم البديع ، وهي شؤون قليلة الجدوى كما أزعم .
هذه إلمامة بكتاب " تاريخ آداب العرب " أرجو أن أكون قد بلغت بها بعض ما أريد .

0 komentar:

Posting Komentar

أهلا وسهلا في رحاب الآداب العربية مع حليمي زهدي.